26 نوفمبر 2011

الوظيفة و الروتين فى حياة نجيب محفوظ


بعد ماعاش نجيب محفوظ صباه فى حى الحسين انتقل مع اسرته الى حى العباسيه مثل ماعملت اسر كثيره فى بدايات القرن العشرين ، فالعباسيه كانت امتداد عمرانى حديث للأحياء الشعبيه التى بجانبها و فى الاول كان ينتقل إليها الأسر الأرستقراطيه لكن بعد ذلك انتقل اليها أسر من الطبقه المتوسطه التى كان نجيب محفوظ ينتمى اليها. فى حى العباسيه تعرف نجيب محفوظ على اصحاب كثيرين كان منهم احسان عبد القدوس و عبد الحميد جوده السحار و الدكتور أدهم رجب. فى هذه الفتره نجيب محفوظ كان يحب لعب الكره و كان يجيدها جدا و مشهور باللياقه و السرعه و احترافها و كان ممكن يبقى لاعب كره مشهور.
بعد ماتخرج نجيب محفوظ من الجامعه سنة 1934 اشتغل موظف و من وقتها فضل مرتبط بالوظائف الحكوميه حتى أحيل على المعاش فى ديسمبر 1971. فى نفس الوقت ركز نجيب محفوظ على الكتابه و اتأثر بالأدب الروسى و بالذات بـ دوستويفسكى و تولستوى و تشيخوف. فى البدايه اشتغل نجيب محفوظ كاتب فى ادارة الجامعه من 1934 حتى 1938 ، و بعد ذلك من 1938 حتى 1950 اشتغل سكرتير برلمانى لوزير الاوقاف وقتها الشيخ مصطفى عبد الرازق ، و بعدها تم تعيينه مدير لمؤسسة القرض الحسن و هذا العمل كان بالنسبه له كأديب جيد حيث انها مهدت له الفرصة بالتعامل مع عامة الناس الذى التقط منهم شخصيات فى رواياته و بالذات " الستات البلدى ". بعدها اشتغل مدير مكتب وزير الارشاد وقتها فتحى رضوان بتوصيه من الأديب يحيى حقى و بعده ثروت عكاشه الذى تعين مكان فتحى رضوان وظفه مدير للرقابه سنة 1968 و بعد ذلك قام بترقيته لمركز رئيس مؤسسة دعم السينما و ظل فى هذا المنصب حتى قبل ان يتم احالته على المعاش بسنتين و بعدها اتعين مستشار خاص لثروت عكاشه.
نجيب محفوظ و الوظيفة
نجيب محفوظ قضى حياته موظف فى الحكومه و فى نفس الوقت فى كتابة الروايات و كان شخصيه روتينيه لأقصى الحدود و كل شئ فى حياته كان منظم بالساعه. الصبح كان يعمل فى الحكومه و فى البيت كان يدخل مكتبه و يكتب فى ساعات محدده تبدأ فى وقت معين و تنتهى فى وقت معين ، و اجتماعه بصحابه كان يحدث فقط يوم الخميس بعد المغرب و كذلك فى وقت كانت بتحدده الساعه ، و كان يشرب سيجاره كل ستين دقيقه بالظبط ، و حتى رواياته كان بيكتبها بطريقه منظمه جداً مثل عمليه هندسيه وليس بطريقه ارتجاليه حسب ظروف الوحى و الإلهام و كان لا يدع أى حد يقوم بقرائتها إلا بعد ماتتنشر. نجيب محفوظ سئل عن علاقة الإبداع و النظام الصارم الذى يتبعه فى حياته فقال إن الابداع ليس مرتبط بنظام فحالة الابداع ممكن أن تأتى و هو يمشى على الرصيف أو و هو فى الشغل أو حتى و هو نائم ، فالإبداع عالم داخلى بيعمل بطريقة منفردة و ليس خاضع لنظام ، لكن الذى يخضع لنظام هو العمل ، فالفكره تولد و تنمو و بعد ذلك تتحول لعمل. و شرح ان يومه بيخضع لنظام و كتابته بعد الظهر تخضع أيضا لنظام لكن الابداع نفسه ليس خاضع لنظام حيث انه ليس من المعقول ان يجلس فى ميعاد الكتابه يدعى انه يتلهم بشئ يكتبه فلو كان الموضوع كذلك لكان هناك العديد من الكتابات الكثيرة جدا.
و عن فلسفته بخصوص انضباطه الصارم وضح ان المسأله مش ميكانيكيه لكن جاءت كنتيجه للتنوع و حب الحياه ، فلما كان تلميذ كان يحب الاجتهاد و كان يحب الرياضه و انه يتفوق فيها و يحب يسمع أم كلثوم و محمد عبد الوهاب و يحب السهر مع أصحابه فإذا كان يحب يعمل كل هذه الأنشطة فمن أين سيأتى الوقت الذى يتسع لذلك ، حتى يقدر أن يتمتع بكل نشاط يحبه كان لابد أن يعمل لكل هوايه أو رغبه أو متعه مساحة من الوقت خاصه بها لكى يقدر أن يتحكم فى ضبطها و لا تطغى حاجه على حاجه ، و بهذه الطريقه ذاكر و لعب و حب و عمل كل الحاجات التى بيحبها.
الروتين الحكومى فى الواقع ساعد نجيب محفوظ على تنظيم حياته بين العمل و الكتابه ، و بعد ما تمت احالته على المعاش ظل يكتب عامود فى جريدة الأهرام. بالإضافه لعمله الحكومى و كتابة الروايات نجيب محفوظ كتب أيضا سيناريوهات لافلام مصريه كثيره و تحولت كثير من الروايات لأفلام سينمائية الأمر الذى أدى الى استقراره مادياً.
لا يوجد فى حياة نجيب محفوظ طفرات مفاجئه أو حوادث كبيره و حياته كانت تمشى على روتين هادئ و هو نفسه كان يسمى تعايشه مع الأمور " واقعيه " و رفض طوال حياته ان يعمل فى السياسه رغم ان كل رواياته و قصصه تقريباً كانت قائمة على فهم كبير للسياسه و متابعة للأحداث السياسيه و انه بيعتبر كاتب سياسى من الدرجه الأولى. السبب فى ذلك انه حدد لنفسه دائرة تحركه و هى أن يكون كاتب و أديب يكتب قصص و روايات فقط ، و انه عن طريق الكتابه يقدر يعبر عن مواقفه و افكاره السياسيه مثل ما يرى ، دون أن يعمل فى السياسه بطريقه مباشره ممكن تتسبب فى ابتعاده عن كتابة الروايات. من ناحيه ثانية ، نجيب محفوظ حدد لنفسه من البداية أن يكون صحفى أو أديب و اختار الأدب و رفض ان يعمل فى الصحافه رغم اغراءات كثيرة عرضت عليه عن طريق مؤسسات صحفيه كبيره حتى يترك العمل الحكومى و يعمل بها أى الصحافة. صحيح فى سنة 1959 ارتبط نجيب محفوظ بجريدة الأهرام لكن ارتباطه لم يكن كصحفى لكن كان قائم على اساس انه ينشر حسب وقته و ظروفه هو اعمال ادبيه فى الجريدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يهمنا ... شكرك لإبدائك الرأى