27 نوفمبر 2011

أولاد حارتنا ... الواقعة التى أثرت فى حياة نجيب محفوظ


فى تلك الفتره طلب احسان عبد القدوس من نجيب محفوظ بتكليف من محمد حسنين هيكل ان ينشر فى الاهرام روايه مسلسله فوافق نجيب محفوظ و ظهرت له رواية " أولاد حارتنا " مسلسله على صفحات جريدة الأهرام و انقلبت الدنيا عليه و كانت ستتسبب له فى كارثه لأن رجال الدين فهموا الروايه على انها تمس كرامة الأنبياء و انه رمز لشخصيات دينيه و قاموا بعمل ضجه كبيره لدرجة انهم طالبوا بمحاكمته ، لكن رغم ذلك الاجواء فى مصر ايامها لم تكن انحدرت و اصر محمد حسنين هيكل على استمرار نشر المسلسل فى الاهرام و بعد ما اتنشرت كلها اتصل حسن صبرى الخولى مندوب الرئيس جمال عبد الناصر و طلب منه ألا يقوم بطباعة الروايه فى كتاب حتى لا تقوم بعمل ضجه كبيره و قال له لو يحب يطبعها فممكن أن يطبعها خارج مصر كما يريد ووعده بإنه هيمنع اى كتابه عن الروايه فى الجرائد المصريه سواء بالخير او بالشر. نجيب محفوظ كان لا يحب فكرة طبع رواياته خارج مصر لكن سهيل ادريس اخذها من الاهرام و طبعها و جعله أمام الامر الواقع.
عن هذه الواقعه قال نجيب محفوظ ان رجال الدين فهموا الموضوع خطأ و لو كان استطاع مقابلتهم و يجلس معهم كان قدر يقنعهم بوجهة نظره و قارن مابين المناخ العام فى مصر فى ذلك الوقت بالمناخ المتطرف المستبد الذى استمر فى مصر بعد ذلك ، و ان الازهر وقتها كان بيمثل التسامح لما يتقارن بحالة التيارات اللى سادت مصر فى فتره لاحقه.
ففى 1988 نشر نجيب محفوظ رواية " قشتمر " مسلسله كذلك فى الأهرام و بالرغم من أن ليس بها أى شئ ضد الدين و الاخلاق و القيم لكن رغم ذلك كان يصله خطابات مليئة شتائم فظيعه و كلام بيتهمه بإنه بيكتب عن " الستات " و انه بيهدم الاسلام و كلام من هذه النوعيه التى ازدهرت فى مصر و ظل يعانى منها المؤلفين و الكتاب على عكس الحال فى فترة النصف الاول من القرن العشرين و حتى فى عصر جمال عبد الناصر على حد قول نجيب محفوظ على اساس ان عبد الناصر كان استبدادى فى السياسه لكن كان متسامح مع الأدب و الفن. نجيب محفوظ قال ذلك سنة 1988 قبل أن يعتدى عليه متطرف جاهل ضربه بسكينه فى رقبته.


26 نوفمبر 2011

الوظيفة و الروتين فى حياة نجيب محفوظ


بعد ماعاش نجيب محفوظ صباه فى حى الحسين انتقل مع اسرته الى حى العباسيه مثل ماعملت اسر كثيره فى بدايات القرن العشرين ، فالعباسيه كانت امتداد عمرانى حديث للأحياء الشعبيه التى بجانبها و فى الاول كان ينتقل إليها الأسر الأرستقراطيه لكن بعد ذلك انتقل اليها أسر من الطبقه المتوسطه التى كان نجيب محفوظ ينتمى اليها. فى حى العباسيه تعرف نجيب محفوظ على اصحاب كثيرين كان منهم احسان عبد القدوس و عبد الحميد جوده السحار و الدكتور أدهم رجب. فى هذه الفتره نجيب محفوظ كان يحب لعب الكره و كان يجيدها جدا و مشهور باللياقه و السرعه و احترافها و كان ممكن يبقى لاعب كره مشهور.
بعد ماتخرج نجيب محفوظ من الجامعه سنة 1934 اشتغل موظف و من وقتها فضل مرتبط بالوظائف الحكوميه حتى أحيل على المعاش فى ديسمبر 1971. فى نفس الوقت ركز نجيب محفوظ على الكتابه و اتأثر بالأدب الروسى و بالذات بـ دوستويفسكى و تولستوى و تشيخوف. فى البدايه اشتغل نجيب محفوظ كاتب فى ادارة الجامعه من 1934 حتى 1938 ، و بعد ذلك من 1938 حتى 1950 اشتغل سكرتير برلمانى لوزير الاوقاف وقتها الشيخ مصطفى عبد الرازق ، و بعدها تم تعيينه مدير لمؤسسة القرض الحسن و هذا العمل كان بالنسبه له كأديب جيد حيث انها مهدت له الفرصة بالتعامل مع عامة الناس الذى التقط منهم شخصيات فى رواياته و بالذات " الستات البلدى ". بعدها اشتغل مدير مكتب وزير الارشاد وقتها فتحى رضوان بتوصيه من الأديب يحيى حقى و بعده ثروت عكاشه الذى تعين مكان فتحى رضوان وظفه مدير للرقابه سنة 1968 و بعد ذلك قام بترقيته لمركز رئيس مؤسسة دعم السينما و ظل فى هذا المنصب حتى قبل ان يتم احالته على المعاش بسنتين و بعدها اتعين مستشار خاص لثروت عكاشه.
نجيب محفوظ و الوظيفة
نجيب محفوظ قضى حياته موظف فى الحكومه و فى نفس الوقت فى كتابة الروايات و كان شخصيه روتينيه لأقصى الحدود و كل شئ فى حياته كان منظم بالساعه. الصبح كان يعمل فى الحكومه و فى البيت كان يدخل مكتبه و يكتب فى ساعات محدده تبدأ فى وقت معين و تنتهى فى وقت معين ، و اجتماعه بصحابه كان يحدث فقط يوم الخميس بعد المغرب و كذلك فى وقت كانت بتحدده الساعه ، و كان يشرب سيجاره كل ستين دقيقه بالظبط ، و حتى رواياته كان بيكتبها بطريقه منظمه جداً مثل عمليه هندسيه وليس بطريقه ارتجاليه حسب ظروف الوحى و الإلهام و كان لا يدع أى حد يقوم بقرائتها إلا بعد ماتتنشر. نجيب محفوظ سئل عن علاقة الإبداع و النظام الصارم الذى يتبعه فى حياته فقال إن الابداع ليس مرتبط بنظام فحالة الابداع ممكن أن تأتى و هو يمشى على الرصيف أو و هو فى الشغل أو حتى و هو نائم ، فالإبداع عالم داخلى بيعمل بطريقة منفردة و ليس خاضع لنظام ، لكن الذى يخضع لنظام هو العمل ، فالفكره تولد و تنمو و بعد ذلك تتحول لعمل. و شرح ان يومه بيخضع لنظام و كتابته بعد الظهر تخضع أيضا لنظام لكن الابداع نفسه ليس خاضع لنظام حيث انه ليس من المعقول ان يجلس فى ميعاد الكتابه يدعى انه يتلهم بشئ يكتبه فلو كان الموضوع كذلك لكان هناك العديد من الكتابات الكثيرة جدا.
و عن فلسفته بخصوص انضباطه الصارم وضح ان المسأله مش ميكانيكيه لكن جاءت كنتيجه للتنوع و حب الحياه ، فلما كان تلميذ كان يحب الاجتهاد و كان يحب الرياضه و انه يتفوق فيها و يحب يسمع أم كلثوم و محمد عبد الوهاب و يحب السهر مع أصحابه فإذا كان يحب يعمل كل هذه الأنشطة فمن أين سيأتى الوقت الذى يتسع لذلك ، حتى يقدر أن يتمتع بكل نشاط يحبه كان لابد أن يعمل لكل هوايه أو رغبه أو متعه مساحة من الوقت خاصه بها لكى يقدر أن يتحكم فى ضبطها و لا تطغى حاجه على حاجه ، و بهذه الطريقه ذاكر و لعب و حب و عمل كل الحاجات التى بيحبها.
الروتين الحكومى فى الواقع ساعد نجيب محفوظ على تنظيم حياته بين العمل و الكتابه ، و بعد ما تمت احالته على المعاش ظل يكتب عامود فى جريدة الأهرام. بالإضافه لعمله الحكومى و كتابة الروايات نجيب محفوظ كتب أيضا سيناريوهات لافلام مصريه كثيره و تحولت كثير من الروايات لأفلام سينمائية الأمر الذى أدى الى استقراره مادياً.
لا يوجد فى حياة نجيب محفوظ طفرات مفاجئه أو حوادث كبيره و حياته كانت تمشى على روتين هادئ و هو نفسه كان يسمى تعايشه مع الأمور " واقعيه " و رفض طوال حياته ان يعمل فى السياسه رغم ان كل رواياته و قصصه تقريباً كانت قائمة على فهم كبير للسياسه و متابعة للأحداث السياسيه و انه بيعتبر كاتب سياسى من الدرجه الأولى. السبب فى ذلك انه حدد لنفسه دائرة تحركه و هى أن يكون كاتب و أديب يكتب قصص و روايات فقط ، و انه عن طريق الكتابه يقدر يعبر عن مواقفه و افكاره السياسيه مثل ما يرى ، دون أن يعمل فى السياسه بطريقه مباشره ممكن تتسبب فى ابتعاده عن كتابة الروايات. من ناحيه ثانية ، نجيب محفوظ حدد لنفسه من البداية أن يكون صحفى أو أديب و اختار الأدب و رفض ان يعمل فى الصحافه رغم اغراءات كثيرة عرضت عليه عن طريق مؤسسات صحفيه كبيره حتى يترك العمل الحكومى و يعمل بها أى الصحافة. صحيح فى سنة 1959 ارتبط نجيب محفوظ بجريدة الأهرام لكن ارتباطه لم يكن كصحفى لكن كان قائم على اساس انه ينشر حسب وقته و ظروفه هو اعمال ادبيه فى الجريدة.

25 نوفمبر 2011

مصطفى عبد الرازق و سلامه موسى فى حياة نجيب محفوظ


نجيب محفوظ عايش ثورة 1919 حيث كان عمره وقت ذلك ثمان سنوات . فى فترة ثورة 1919 و الفتره التى تلتها  ،و هى فترة صبا و شباب نجيب محفوظ ، اتولدت فى مصر روح جديده بعد عصور التقوقع و فقدان الإحساس بالهويه. ثورة 1919 جسدت الشعور بالقوميه المصريه و انتاب المصريين احساس بالفخر الوطنى و العزه القائمة على الإيمان بتاريخ مصر و وحدتها الوطنيه و تطلعها لمستقبل مشرق اساسه الانفتاح العلمى و الثقافى على العالم و بالذات على الغرب بإعتبار حضارته هى الحضاره المتفوقه و السائده.
من نتائج ثورة 1919 كان خروج السيده المصريه للحياه بعد ماعاشت سنوات طويله فى ظلمات القهر و البرقع و العزله الاجتماعيه التى فرضتهم عليها التقاليد الباليه و الفكر الاستبدادى. بطبيعة الحال الروايه الإجتماعيه ليس من الممكن أن يكون ليها كينونه و تطور من غير العنصر النسائى و لا تبقى روايه تتكلم عن مجتمع الذكور بس و ليس بها اجواء الحب و العواطف السويه و التعامل الإجتماعى الطبيعى و الترابط الإنسانى. و حتى قبل الثوره بخمس سنين نشر محمد حسين هيكل رواية " زينب " باللغه المصريه الحديثه التى تعتبر أول روايه مصريه وكذلك أول روايه مصريه تتحول لفيلم سينمائى . بيظهر اثر ثورة 1919 على نجيب محفوظ فى أكثر من رواية من رواياته و تعتبر شخصية السيد عبد الجواد المعروف باسم "سى السيد" بطل " الثلاثيه " تجسيد فنى واقعى و حى لحالة الست المصريه و استبداد الرجل بزوجته و اولاده فى المجتمع المصرى فى بدايات القرن العشرين.
بعد انهاء نجيب محفوظ شهادة " البكالرويا " دخل قسم الفلسفه فى كلية الأداب فى جامعة ( فؤاد الأول ( جامعة ( القاهره الآن ) و أخد ليسانس فى الفلسفه سنة 1934. فى فتره الدراسه فى الجامعه اتعرف نجيب محفوظ على شخصيتين مهمين اثرو على توجهاته الفكريه و هما الشيخ مصطفى عبد الرازق كان وقتها استاذ الفلسفه الاسلاميه فى كلية الأداب و الشخص التانى كان المفكر سلامه موسى
مصطفى عبدالرازق
. مصطفى عبد الرازق و سلامه موسى كانوا من نتاج ثورة 1919 عاشو فتره من حياتهم فى الغرب و اضطلعوا على اجواءه الثقافيه و العلميه و الاقتصاديه. اتعلم نجيب محفوظ من مصطفى عبد الرازق كيف يفهم الدين بطريقه سمحه و مستنيره بترفض التعصب و التطرف و بيظهر اثر مصطفى عبد الرازق فى كتابات نجيب محفوظ على شكل مناقشات فكريه و فلسفيه مستنيره.
سلامه موسى من ناحيته أثر تأثير كبير على افكار نجيب محفوظ. سلامه موسى كان مفكر مستنير بينادى بالحريه و التطور و التقدم و كان بيؤمن بالحضاره الغربيه ايمان كبير و كان بيعتبرها بعلومها و فنونها و صناعاتها أساس للتمدن و التقدم و كان مدرك ان من غير الأخذ بالحضاره الأوروبيه لن يكتب لمصر التقدم . سلامه موسى من جهه ثانية كان فى نفس الوقت من المتحمسين لحضارة مصر القديمه كحافز مهم و ضرورى للمصريين لتقدم مصر و نهضتها و فى هذه النقطه اتأثر نجيب محفوظ بسلامه موسى تأثر واضح. نجيب محفوظ اتحمس لحضارة مصر القديمه و اول كتاب نشره كان ترجمه لكتاب انجليزى اسمه " مصر القديمة " و الذى قام بنشر هذا الكتاب له سنة 1932 كان سلامه موسى نفسه. و تحت تاثير سلامه موسى ألف نجيب محفوظ ثلاث روايات عن مصر الفرعونيه و هى " عبث الأقدار " و " رادوبيس " و " كفاح طيبه " ، و كان مخطط إنه يألف روايات عن تاريخ مصر من ايام قدماء المصريين لحد العصر الحديث لكن غير اتجاهه بعد ما نشر " كفاح طيبة " سنة 1944.
سلامه موسى
نجيب محفوظ أخذ من سلامه موسى النزعه التجديديه و التطلع للحضاره الحديثه و أفكار العدل الإجتماعى و التوليرانسيه و حب مصر و الإفتخار و الاعتزاز بأمجادها القديمه. اخذ نجيب محفوظ من سلامه موسى أيضا أمر هام وهى الكتابه العميقه بكلمات بسيطه لا يوجد بها تعقيدات لغويه.
علاقة نجيب محفوظ بسلامه موسى بترجع لوقت ماكان نجيب محفوظ لا يزال طالب يدرس فى الجامعه ، فى هذه الفتره ، و هو عنده 19 سنه ، ظهرت أول مقالاته فى عدد أكتوبر 1930 لمجلة " المجلة الجديدة " الذى كان يصدرها سلامه موسى و كان عنوان المقاله " احتضار معتقدات وتولد معتقدات " ، و فى 3 اغسطس 1934 بعد ماتخرج مباشرة نشر له سلامه موسى أيضا فى " المجله الجديده " أول قصصه و كان عنوانها " ثمن الضعف ".


24 نوفمبر 2011

مولد نجيب محفوظ و نشأته

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ عبد العزيز ابراهيم أحمد الباشا،ولدفى حى الحسين فى 11 ديسمبر سنة 1911 بالقاهرة فى اسره متوسطه. والده كان موظف فى الدوله اسمه عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا.
لقب نجيب محفوظ بلقب " السبيلجى " حيث كان مجرد لقب لقبه به صاحبه "أدهم رجب" كنوع من أنواع الدعابة و السبب فى ذلك أن جد لنجيب محفوظ كان ناظر كُتاب (سبيل) . أصل عائلته " الباشا " كان فى الأغلب مدينة رشيد. و سمى نجيب محفوظ بهذا الاسم تيمنا باسم "نجيب باشا محفوظ" دكتور أمراض النساء والولادة القبطى المعروف الذى أشرف على ولادته التى كانت متعسره.
ولد نجيب محفوظ فى حى الحسين الشعبى و التاريخى و منه استوحى روايات مثل " خان الخليلى " ( 1946 ) و " زقاق المدق " ( 1947 ) و بين القصرين ( 1956 ) و قصر الشوك ( 1957 ) و السكريه ( 1957 ) و كلها اسماء لحارات ضيقه و طويله كانت جنبا الى جنب فى حى الحسين. و من حى الحسين أخذ نجيب محفوظ فكرة " الحاره " اللى استعملها كرمز للمجتمع المصرى و العالم كحياه و بشر ، فيظهر كثيرا فى روايته شخصية " الفتوه " كرمز للسلطه من كل نواحيها و تقلبها مابين العدل و الظلم و الطيبه و القسوه و الشهامه و النداله. من الحاره المصريه صوَر نجيب محفوظ صور حيه و واقعيه من المجتمع المصرى وقت صراعاته و فى مراحل تطوره ، و فى فتره ثانيه حوَل الحاره المصريه لصوره اكبر هى صورة العالم كله بأفكاره و اتجاهاته و صراعاته الكبيره مثل روايات " أولاد حارتنا " و " ملحمة الحرافيش ". فى هاتين الروايتين المهمتين امتلئت بالنماذج الانسانيه الحيه حيث صور نجيب محفوظ صراع الانسان للوصول للمعرفه و العدل و توازنه مع نفسه و المجتمع و الحياه.